الجمعة، 23 أبريل 2010

زوجةُ أبي



.

أهدى هذا النص إلى مدونة وأنا مالي

.




.


أمي التي أكرهُها
دائماً تقولُ أنني مجنونةٌ
أنا أحمِّلُها مسئوليةَ تعاستي
وهي تسرفُ في قمعي

حينما كنتُ في الاعدادية جذبتني من شعري على السُلَّم
لأنني أردتُ الذهاب إلى المكتبة
لم تشتري لي الشيكولاتة مثل كل الأمهات ولا اللعب
كان علىَّ أن أغضبَ وأصرخَ يومين كاملين
كي تشتري لي زمزميةً صغيرة

تحكي لي عن حوادث الاغتصاب منذ كنت في الثامنة
جعلتني أرتجفُ كلَّما مرَّ رجلٌ بجواري
أسمتني المكسحة
وقالت أنني ابنتها المعطوبة التي لن يحبها أحد
أمشى بصعوبة
ليس لأن قدماي تالفتان كما اعتادت أن تقول لي
ولكن لأنني أخاف من كلِّ الآخرين
أخافُ
في الشارع تطاردُني هواجسُ القتل والخطف والاغتصاب
فأتحركَ نحوالعالم بصعوبة شديدة

أبي كان يبتسمُ كلَّما شكوتُ له
كان يعرفُ أنها تَغارُ مني
أبي يأخذني بين ذراعيه كي أنامَ
أستيقظُ على صراخها كي أذهب للنوم في سريري
أبي يحبُّني ويرسمُ لي نجمةً فضيةً على باب حجرتي
أستيقظُ لأجدَها تلمعُ باسمي

(هل قلتُ أنه لم يكن لي حجرةٌ خاصةٌ أبداً
هل قلتُ أبي
لم يكن لي أبٌّ أيضاً )

إنَّ أمي تحتاجُ إلى أمٍ
إنَّها طفلةٌ كبيرةٌ
حينما كنَّا صغاراً كانت تتشاجرُ معنا على اللُّعب لتأخذَها
أحياناً تُخفيها وأحياناً تلعبُ بها وحدَها
صوت الرعد كان يُفزعها جداً فتستيقظ خائفةً
فنتحلقُ حولَها وأكبرُنا لا يتجاوز العاشرة
كي نطمئنها ونخبرها ألا تخاف

كانت خائفةً من كل شىء
من الجبران ومن بائع الفول ومن بائعة اللعب ومن فرن العيش
كتلةً متحركةً من الخوف تلتقطُ الخطرَ من كل الاتجاهات الممكنة

لم تقُل لي أمي مرةً واحدة أنني جميلة
فلم أستطع أن أصدَّقَ إلى الآن أنني جميلة

أبي كان يبتسمُ فقط
يأخذُني بين ذراعيه ويبتسمُ ولا يملكُ أن يدافعَ عني
لا يملكُ أن يُخرِجَني من زنزانة البيت
يبتسمُ ويتركُني أبكي حتى أنهدُّ من التعبِ وأنام

إنَّها تعاقبني لأني أنثى
ترغبُ باستبدالي أو بتحويلي إلى ذكرٍ كي ترتاحَ
تكرهُ أن أضعَ المكياجَ وأصففَ شعري
تصرخُ كلما صرت جميلة

كيف أطلبُ من امرأةٍ لا تحبُّ نفسَها أن تحبَّني
كيف أطلبُ منها أن تفخرَ بابنتها
هي التي لم يعلمُوها سوى أنَّ النساء يجلبن العار

لا أريدُ أن أشبه أمي
لا أرغبُ في أن أتحوَّلَ إلى مصنعٍ للخوف
أنا في طريقى إلى ذلك فعلاً
لأنني أخافُ
أخافُ

أتشاجرُ مع مشاعري
أرغبُ في أن أحبَّ أمي
مثل كل البنات اللاتي يحبون أمهاتهن
ليس لدى جناحان
وأعرف أنني أكرهها

لم أكتشف أنني ربما أحبها دون وعي
إلا منذ شهرٍ تقريباً
حينما وجدتها تبكي من الوحدة
تعيسةً جداً
تقريباً أكثرَ تعاسةٍ منِّي
تعاطفتُ قليلاً معها
رأيتُ وجهها الضعيف فاقد الحيلة تجاه العالم
فانساب الحنانُ باتجاهها

إلى أمي التي لا أعرفُ حقاً إن كنت أكرهها أم لا
إنَّ بإمكاني أن أحبَّكِ في يوم ما






.......

.



.

.








10 التعليقات:

من اجل عينيك يقول...

لن يفهمك سواي يا غادة
ماذا يعرف الاخرون عن العيش تحت وطأة الشك في محبة امهاتنا لنا.
يجيدون ترديد الاستخفاف بما نشعر.
ربما المرض الذي اعانيه انا الان كان بسببها ولا تشعر. بل تردد كوني كاذبة وأبالغ وتحرجني أمام الاخرين.
جربت كثيرا ان اكتب عنها وعجزت عن نطق حرف
لا اعرف سر ترهبي عن الحديث عنها

انت شجاعة ياغادة

أسما عواد يقول...

نص
أكثر من رائع
وان كنت أختلف مع من أجل عينيك التي قالت بأنه لن يفهمك سواها
تحتاج بعض الأمهات الى تأهيل نفسي كي تستطيع تربية انثى
نصك جميل على المستوى النفسي والادبي والاجتماعي والانساني
تحياتي وتقديري

Unknown يقول...

نحن في هذا المجتمع العظيم جدا..
بنطلع نماذج اعاجيبية ..!!
اكتر مجتمع فيه قواعد غير متبعة في العالم ..
اكتر مجتمع معندوش ثقافة من اي نوع !!
نتاج المجتمع .. في هذه الشخصية التي رسمتها بدقة .. و أخريات ..!!

عين فى الجنة يقول...

اولا اشكرك على تعريفى بمدونة وانا مالى
ثانيا كلامك لمس وتر فى قلبى

soly88 يقول...

لماذا انتابنى شعورا ان هناك ظلما فادحا
لها وله (الأم والأب )

nudy يقول...

غاده النص فعلا رائع ومكتوب حلو قوي وحقيقي جدا بس ما حدش بيقوله فعلا امهات كتير عندهم مشاكل مع الغيره من بناتهم وعايزين يتعلموا حاجات كتير قوي علشان يربوا بنات او حتي ولاد
غاده اوعي تخافي من تكرار ده لان بيتهيألي ان من تم ظلمه لن يظلم ولن نكرر اخطاء ابائنا وامهاتنا لاننا رايناها

البراء أشرف يقول...

يا ستي أنا عاجز عن الشكر.
شكر مرة على النص الرائع.
وشكر ثاني على الإهداء.
وشكر ثالث على ادراكك لقيمة الشجاعة.
الكتابة في نظري مجرد فعل حرية كامل.
بدون الحرية لا داعي للكتابة.
والحرية - كما تعلمين - شجاعة.
وبدون أفكار جريئة ومختلفة لا داعي لأن تكون هناك كتاية أساساً.
وقد كاد الإحباط أن يقتلني، لولا نصك المبهر. ولولا تعليقك الثمين، الذي يستحق شكر رابع.
براء

ام مليكة يقول...

الحقيقة مش عارفه ظاقول لك ايه، بس قلبي وجعني على أمك مرة وعليكي ألف مرة...
أحياناً فرط حبنا للآخرين ينقلب إلى نقمة وخوف وشك وكثير من المعاني المحزنة ولكنها الظروف التي جعلت من أمك خائفة ومنك راغبة في العيش بحب وسلام دون النظر إلى كل معاني الخوف التي ارغمت عليها...

أحيي شجاعتك وأعترف أن شجاعة الكتابة أكبر من شجاعة المحارب

ست الحسن يقول...

فاطمة الجميلة

شكراً أوي ع الدعم الجامد
وأنا بحاول أكون شجاعة في الكتابة
بحاول يا بطة


.........

أسما

أنا بقيت أدخل أدوَّر على تعليقك
شكراً جداً
ومبسوطة ان النص عجبك يا جميلة

........

شيماء

عندك حق
إحنا عندنا نماذج صعبة
بس كمان موجودة في كل مكان
كل الحدوتة اننا بنبروز تموذج وبنصدق ان كل الناس كدة
مع ان الحياة مش كدة خالص

شكراً لمرورك الجميل

..................

راجي

تسلم يا افندم
والعفو جداً
مدونة وانا مالي مختلفة أوي ومش مشهورة للأسف

تعليقك دااااافي جداً على فكرة
شكراً خالص

...........

سولي

دا احتمال وارد طبعاً
ممكن البطلة تكون مختلة فعلاً

.........

نودى

آمين
ربنا ينقذنا جميعاً
يسلملي وجودك يا قمرة

.........

براء

إيه كل الشكر ده
دا كتيييييير جداً
احنا اللي متشكرين ع النصوص الحقيقية
اللي محتاجينها أوي

ومبسوطة ان النص عجبك يا افندم
نورت المكان

...........

أم مليكة

سلامة قلبك من الوجع
وأهلاً بيكي في أول زيارة

وتسلمي جداً
وموضوع الشجاعة ده
لسة قدامي شوية لحد ما أوصله
بس أنا بحاول

شكراً ع الدعم
وياريت تمري تاني

........

غير معرف يقول...

بصراحه مش عارف اقول ايه؟
بس القصيده دي بالذات حسيت انك معايا فيها وانتي بتكتبيها
حسيت انك بتكتبي عني انا
انا معرفش اكتب شعر
ومعرفش اعبر
بس خلاص
انا لقيت اللي هايعبر عن اللي جوايا